القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

سقوط الأندلس-مأساة الفردوس المفقود..."جنة الله على ارضه" أو "الفردوس المفقود"

ارض الأندلس...

"جنة الله على ارضه" أو "الفردوس المفقود" هذا ما اطلقه البعض على تلك الأرض التي تغنّى الشعراء بحسنها وجمالها، فهي أرضٌ تحيطها المياه من ثلاث جهات ما جعلها فائقة الجمال بوفرة مياهها وخصبة تربتها وخضرتها الدائمة ومناخها المعتدل وتنوع تضاريسها.

 يقول ابن سفر المريني متغنيًّا بالأندلس وجمالها:

في أَرْضِ أَنْدَلُسٍ تَلْتَذُّ نَعْماءُ 
 وَلا يُفارِقُ فيها القَلْبَ سَرّاءُ
وَكَيْفَ لا يُبْهِجُ الأَبْصارَ رُؤْيَتُها                   وَكُلُّ رَوْضٍ بِها في الوَشْيِ صَنْعاءُ
أَنْهارُها فِضَّةٌ و المِسْكُ تُرْبَتُها                  وَالخَزُّ رَوْضَتُها الدُّرُّ حَصْباءُ
قَدْ مُيِّزَتْ مِنْ جِهاتِ الأَرْضِ حينَ بَدَتْ        فَريدةً وتَوَلّى مَيْزَها الماءُ
لِذاكَ يَبْسُمُ فيها الزَّهْرُ مِنْ طَرَبٍ                 والطَّيْرُ يَشْدو وَلِلأَغْصانِ إصْغاءُ




     أرض الأندلس هو الاسم الذي اطلقه العرب على شبه جزيرة ايبيريا (اسبانيا والبرتغال حالياً) والتي تقع جنوب غرب قارة أوروبا، حكمها المسلمون ثمانية قرون منذ فتحها بقيادة طارق بن زياد وموسى بن النصير في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك في عام 92هـ حتى سقوط غرناطة عام 897هـ.

     وهنا سنسلط الضوء على تلك المأساة التي كتبت بلون الدم والتي هز صداها ارجاء العالم الإسلامي.. سقوط الأندلس.

     كيف لحضارة مزدهرة امتلأت بالمكتبات ودور العلم بالسقوط؟؟ وكيف لنا ان نستنير بتاريخينا المشرف بالانتصارات ونتَّعظ من أخطاء أسلافنا؟؟!

     ساد في بداية الدولة الأندلسية نوع من السلام والرخاء والاستقرار ولمدة 330 عام، ونشروا الإسلام في مدة لا تتجاوز الثلاث سنوات، استمر ذلك حتى بدأت بذور الدمار والسقوط بالانتشار مع سقوط الخلافة الأموية في الشرق، فأصيبت الأندلس بالارتباك والفوضى، فهي لم تكن بمعزل عمن حولها، وبدأ تتدهور مع بداية عهد ملوك الطوائف في عام 422هـ، عندما بدأ امراء الأندلس بإنشاء دويلات منفصلة ودبت الخلافات والنزاعات بينهم حتى وصل بهم الأمر الى طلب المساعدة من الصليبيين ضد بعضهم البعض ودفع الضرائب للصليبيين مقابل ذلك، فقامت حرب طائفية بين طليطلة وسرقسطة بين عامي 1043 و 1046م، وسيطر الملك الصليبي الفونسو السادس على طليطلة واهان ملوك الطوائف الأخرى وتطاول على الإسلام..


     وكما طلب الأندلسيين المساعدة من الصليبيين كذلك طلبوها من المغرب الأقصى للتخلص من حالة البؤس والدمار التي حلت عليهم فخرج القائد المغربي يوسف بن تاشفين بدعم من انحاء المغرب الأقصى على رأس جيش من المرابطين الى الأندلس في 15 من ربيع الأول 479هـ/30 يونيو 1086م ووجه رسالة لملوك الطوائف يدعوهم للاستنفار.

    عندما سمع الفونسو السادس بقدوم جيش المرابطين ترك حصاره على سرقسطة وعاد الى طليطلة وطلب الدعم من الدول الأوروبية، فتفوق عدد الصليبيين بقيادة الفونسو السادس على عدد المسلمين المرابطين بقيادة يوسف بن تاشفين ودارت بينهم معركة طاحنة سميت بمعركة زلاقة في 12 رجب 479هـ/23 تشرين الأول 1086م، انتهت بانتصار المسلمين نصراً كبيراً واصبح يوسف بن تاشفين يلقب بأمير المؤمنين...

    بعد هذا الانتصار عاد يوسف بن تاشفين الى المغرب، وما ان فعل ذلك حتى عادت أوضاع الأندلس للتدهور مرة أخرى على غرار سابقتها، فاستغل هذا الوضع الصليبي الفونسو السادس وعاود الهجوم على ولايات الأندلس فعاد القائد المغربي يوسف بن تاشفين للأندلس مرة أخرى في عام 481هـ/1088م، لكن وللأسف غدر ملوك الطوائف في الأندلس به فقطعوا طريق الامدادات عن معسكره وابرموا معاهدات سرية مع الصليبي الفونسو السادس وزودوه بالأموال والهدايا ليكون مناصرهم ضد المرابطين فكان القرار هو عزل أولئك الملوك، فهاجم المرابطين طليطلة وحققوا انتصارات واسعة ووحد الأندلسي وصارت تابعة للدولة المرابطين في المغرب ولم يبقى إلا سرقسطة.

     توفي يوسف بن تاشفين في محرم 500هـ/1106م، وخلفه من بعده انه علي الذي سار على خطى والده فأرسل حملة أعاد بها أراضي الأندلس وأعاد له الإسلام، كما ضم عدد من المدن البرتغالية كلشبونة عام 503هـ، كما أعاد سرقسطة كاملة تحت الحكم الإسلامي، واستمرت الحال هكذا حتى سقطت مراكش عاصمة المرابطين في يد عبد المؤمن بن علي زعيم الحركة الموحدية في 18 شوال 541هـ/24 آذار 1147م، فقتل آخر امراء المرابطين إبراهيم بن تاشفين وجلس الموحدين على العرش، فبدأت الأندلس بالتدهور أكثر وأكثر وفقد المسلمين جميع مناطقهم في الثغر الأعلى.

    وعند تولي أبو يوسف يعقوب المنصور الخلافة الموحدية وقع صلحاً مع الصليبي الفونسو الثامن، ليتفرغ للأندلس فهاجمها ووصل جنوبها، فتحالفت الممالك الصليبية وتجهزوا للإغارة على الأندلس بجيش قوامه 200000 مقاتل بقيادة رجال الدين المسيحيين وسميت المعركة بمعركة العقاب، ودارت يوم الاثنين في 15 صفر 609هـ/17 يوليو 1212م هزم فيها المسلمون وانسحبوا الى اشبيلية، ثم وبعد وفاة الموحدي محمد الناصر بدأت دولة الموحدين تنهار اذ جاء بعده خلفاء ضعاف، وتوزع حكم الدولة من بعده بين اخوته الثلاث وبدأت الخلافات بينهم فتحاربوا لجأ بعضهم للصليبيين، فوقعت الدولة الأندلسية مرة أخرى في دوامة الانهيار كمن بين فكي كماشة ...بين حروب أهلية من جهة وصليبية من جهة أخرى، وبين عامي 614 و648هـ كانت جميع الولايات الأندلسية قد سقطت في أيدي البرتغاليين ولم يبقى سوى غرناطة التي صمدت قرنين ونصف إضافيين، وكان من أسباب صمودها:

  • بعدها عن الممالك الصليبية وقربها من المغرب.
  • تدرب أهلها المستمر على القتال والاستعداد الدائم لمحاربة العدو.

 

          ثم دارة بين المسلمين بقيادة السلطان أبو الحجاج يوسف ومساندة أبو الحسن علي والصليبيين بقيادة الفانسو الحادي عشر والفانسو الرابع، سميت المعركة عن العرب باسم "طريف" وعند الإسبان باسم "معركة ريو سالادو" وهزم فيها المسلمين هزيمة ساحقة، ثم تلتها 25 سنة من الهزائم المتتالية للمسلمين اذ خسروا معظم أراضيهم في غرناطة حتى سلمت غرناطة للقشتاليين فدخلوها يوم الاثنين في 1 ربيع الأول 897هـ/2 كانون الثاني 1492م، وبسقوط غرناطة لم يبقى للمسلمين في الأندلس أي شيء.. وسقطت الأندلس.


     وهكذا وبعد صراع مرير اسدل الستار على واحدة من اعظم قصص الكفاح والجمال والازدهار،  لم يكن الامر سهلاً فقد تعالت أصوات البكاء والعويل في بيوت الأندلس، عانى بعدها المسلمين اشد المعاناة فقد احرق المسلمون احياء واحرقت الكثير من الكتب العربية التي تعد ثروة علمية واسعة، وطرد المسلمون من ارضهم ان لم يختاروا ومنهم من اجبر على التنصر للحفاظ على حياته وحياة من حوله ورغم ذلك فقد تمسك المسلمين بدينهم ولم يظهروا أي رغبة بالاختلاط بالمجتمع المسيحي.

     يقول ابي البلقاء الرّندي في نونيته المشهورة في رثاء الأندلس كافة:

لِكُلِّ شَيْءٍ إِذا ما تَمَّ نُقْصانُ

فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيْشِ إِنْسانُ

هِيَ الأُمورُ كَما شاهَدْتَها دُوَلٌ

مَنْ سَرَّهُ زَمَنٌ ساءَتْهُ أَزْمانُ

وَهذِهِ الدّارُ لا تُبْقي عَلى أَحَدٍ

وَلا يَدومُ على حالٍ لَها شانُ

فَجائِعُ الدَّهْرِ أَنْواعٌ مُنَوَّعَةٌ

وَلِلزَّمانِ مَسَرّاتٌ وَأَحْزانُ

وَلِلْحَوادِثِ سُلْوانٌ يُسَهِّلُها

وَما لِما حَلَّ بِالإِسْلامِ سُلْوانُ

تِلْكَ المُصيبَةُ أَنْسَتْ ما تَقَدَّمَها

وَما لَها مَعَ طولِ الدَّهْرِ نِسْيانُ

يا مَنْ لِذِلَّةِ قَوْمٍ بَعْدَ عِزِّهِمُ

أَحالَ حالَهُمُ جَوْرٌ وَطُغْيانُ

     قال المؤرخ والكاتب الإسباني خوسيه أنطونيو:"سقط العرب عندما نسوا فضائلهم التي جاءوا بها  واصبحوا على قلب يميل الى التقلب والفرح والاسترسال في الشهوات".

Comments

التنقل السريع